تناقش يوميًا عشرات الرسائل العلمية بين ماجستير ودكتوراه إلى جانب أبحاث الترقية بمختلف الأقسام الأكاديمية بالعلوم التطبيقية والاجتماعية ، ولكنها لا تجد مستجيبًا لتوصياتها ونتائجها ، على الرغم من حصول أصحابها على أرقى الدرجات العلمية؛ بأعلى التقديرات والتوصية بنشر الرسالة العلمية، وطبعها على نفقة الدولة وتبادلها بين الكليات المناظرة، فهل نحن حقًا نجيد الجعجعة والقول بلا فعل؟
أضف إلي ذلك أن كافة مواثيق ودساتير برامج المسئولية الاجتماعية للشركات والمؤسسات تنص وتشدد صراحًة علي تشجيع البحث العلمي والابتكار، وضرورة تبني المنظمات وهيئات المجتمع لأفكار هؤلاء العلماء و المبتكرين ذوي العقول العلمية المستنيرة، تلك العقول القادرة علي قيادة ركب التنمية المجتمعية المستدامة، باستخدام سبل وأساليب التكنولوجيا الحديثة بمختلف مجالات الحياة الإنسانية والتطبيقية .
لقد اتفق العلماء على خمس سمات لتوصيات وأهداف البحث العلمى تشكّل فى مجموعها كلمة SMART ؛فى إشارة لذكاء الفكرة وتمتعها بالإبداع والابتكار والخروج عن التقليدية والنمطية، وبالفعل يحرص العلماء وأساتذة الجامعات علي مناقشة الباحث المتقدم للحصول علي درجة علمية، للتأكد من سلامة وصحة هذه التوصيات، لأنها تمثل تتويجًا لدراسته البحثية علي مدار عدة سنوات، ومن ثم فهي ليست بالعبارات الإنشائية الفضفاضة، بل مقترحات ورؤي واقعية واعدة تستقرأ آفاق المستقبل، وتستنبط متغيراته، وترسم سماته و ملامحه.
والسمات الخمس هى specific وتعنى ملاءمة الهدف لموضوع البحث وتخصصه الدقيق، والسمة الثانية هى Measurable وتعنى قابلية الهدف أو التوصية المقترحة للقياس؛ وفقا لمعايير ومقاييس علمية دقيقة ،والثالثة هى Attainable وتعنى قابلية النتيجة البحثية للتحقيق ؛ وفقا للظروف المجتمعية المحيطة فالباحث العلمى جزء من وحدات المجتمع وكياناته المحيطة ومن ثم يتأثر بحثه بالمتغيرات المجتمعية إيجابًا وسلبًا.
بينما جاءت السمة الرابعة Realistic لتشير مباشرة نحو واقعية الهدف ؛ كى يكون متسقًا مع النتيجة المتوقعة من البحث، ومن قبله الاتساق مع الفرض أو التساؤل البحثى الموضوع فى إطار المشكلة البحثية للدراسة، وبدون هذه الواقعية يصبح البحث بمثابة دربًا من دروب الخيال ويفقد موضوعيته ومصداقيته المطلوبة، أما السمة الأخيرة فهى Time Bounded وتعنى قابلية النتيجة أو التوصية المقترحة للتحقيق؛ وفقًا لإطار زمنى محدد قد يكون قصير أو طويل المدى ،لكنه محدد كى يمكن محاسبة الجهات المسئولة وتقييم مدى نجاحها فى إنجاز الهدف؛ وفقا لجدوله الزمنى من عدمه.
وعلى الرغم من التزام أبحاثنا ودراساتنا بجامعاتنا ومراكزنا البحثية العريقة بالمعايير العلمية السابقة، واتباعها لمناهج بحثية دقيقة؛ تجعل إشكالياتها البحثية بمثابة ظواهر اجتماعية تمارس كل منها قهرًا اجتماعيًا متواصلًا على ضمائر الأفراد ووحدات المجتمع، إلا أن مصيرها المحتوم هو أرفف المكتبات داخل الكليات والمراكز البحثية، لتصبح الدرجة العلمية بلا جوهر أو معنى، ويتحول البحث العلمى إلى “أكل عيش والسلام” ، إلا من رحم ربي بالطبع.