تعد برامج ومبادرات المسئولية الاجتماعية للشركات بمثابة إستراتيجية اتصالية متكاملة توظف أنشطة العلاقات العامة كي تحقق أهدافها الإنسانية المختلفة؛ سواء علي مستوي مقدم المبادرة أومتلقيها أيضًا، ومن ثم صارت هذه البرامج موردًا ثريًا لبناء رأس المال الاجتماعي، وتنمية روح الانتماء والتكافل الاجتماعي، وتحقيق فرص العيش المشترك بين فئات الشعب وشرائح المجتمع.
هذه الثروة البشرية والمادية الضخمة الممثلة في رأس المال الاجتماعي تفرض بدورها علي مقومات المسئولية الاجتماعية للشركات أن ترتكز علي مبادئ نزاهة العلاقات مع العملاء، والاستثمار في المورد البشري، والحفاظ علي المبادئ الأخلاقية واحترام القانون، وتعزيز مفهوم الكرامة الإنسانية للمواطن والموظف والمستهلك، وعدم تكبّد أي منهم لأي تكاليف أو نفقات لأنشطة المسئولية الاجتماعية؛ التي يقوم بها المدراء والمسئولون؛ بشكل أخلاقي وقانوني خالص؛ حتي وإن تعارضت هذه الأنشطة مع اتجاهاتهم ومعتقداتهم الأيديولوجية والفكرية.
لقد خاب من اعتقد أن الرهان علي الربح المادي والاستثمار المالي قصير الأجل، وتجاهل دوره المجتمعي والإنساني إبان الأزمات الراهنة، و لا صوت يعلو الآن فوق أزمة “كورونا” العالمية، التي جاءت كي تميز لنا بين بريق المعدن النفيس وصدأ المعدن الرخيص، لأن زبد المال سيذهب جفاءً، و أما ما ينفع الناس من مبادرات تنموية مستدامة تدعم المواطن البسيط في أحلك الظروف؛ سيمكث حقًا وصدقًا في الأرض لعقود وقرون طويلة إلي يوم القيامة.
ستظل برامج المسئولية الاجتماعية تستمد قوتها وشرعيتها من انخراطها المستديم في ثنايا المجتمع المحلي، وعدم تضارب المصالح بين الشركات والمؤسسات من جانب وبين وحدات و هيئات المجتمع من جانب آخر، وسيظل المواطن البسيط والعامل الكادح هو النواة الأولي للمجتمع، وهو حجر الأساس الأول والأخير للتساند والتكافل الإنساني للمجتمع وضميره الجمعي، وأي ثمة محاولة لزعزعة هذا الضمير ستقود المجتمع- بلا هوادة- نحو الهاوية، لأنها ستمثل حينئذ تهديدًا للعيش المشترك والتكافل الإنساني، وهي أسمي مكونات رأس المال الاجتماعي.
وهي المكونات المتسقة مع قيم وأعراف المجتمع؛ التي ننهلها من أدياننا السماوية، وتغرسها في نفوسنا أجهزة التنشئة الاجتماعية منذ نعومة أظافرنا، وبها فقط وليس بدونها ستستمد أي منظمة شرعيتها المجتمعية ونفوذها السياسي؛ ككيان اقتصادي داعم للمواطن، ويسعي نحو رفاهيته، في وقتي الرخاء والأزمة.
يقول تعالي “أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌۢ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًاۚ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِى ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَٰعٍۢ زَبَدٌ مِّثْلُهُۥ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَٰطِلَۚ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى ٱلْأَرْضِۚكَذَٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْأَمْثَالَ”( الرعد17)