كتب: محمود الصباغ
في عالمنا المعاصر، لم تعد الحروب مقتصرة على ساحة المعركة التقليدية التي يُستخدم فيها الرصاص والأسلحة الفتاكة. أصبحنا نعيش في عصر جديد، حيث تتوارى فيه الجيوش خلف الشاشات وتُستبدل فيه السهام بشفرات رقمية تتوارى فيه الجيوش خلف الشاشات وتُستبدل فيه السهام بشفرات رقمية.،
يُطلق عليها “الحروب السيبرانية“، تختلف بشكل جذري عن الحروب التقليدية. تختلف عن الحروب التقليدية بغياب الدمار الفيزيائي المباشرفلا دماء تسيل ولاجنود ظاهرة، لكنها لا تقل خطورة، تُستخدم فيها الوسائل التقنية للتجسس، التخريب، أو التأثير على أنظمة الدول الحيوية، مثل شبكات الكهرباء والمطارات والمصارف.
بداية مفهوم الحرب السيبرانية
ظهر مصطلح “الحرب السيبرانية” لأول مرة في عام 1993، عندما قدّمت مؤسسة “RAND” الأمريكية فرضية في كتيب بعنوان “الحرب السيبرانية قادمة”.
وأكد الكتيب على أن الحرب السيبرانية قد تصبح بديلًا حقيقيًا للحروب التقليدية، بقدرتها على شلّ دول كاملة دون إطلاق رصاصة واحدة. مع تزايد الاعتماد على الإنترنت في حياتنا اليومية، من البنية التحتية الحيوية إلى الأنظمة العسكرية، توسعت ساحة الحرب السيبرانية لتشمل كل شيء يرتبط بالتكنولوجيا.
تاريخ الحروب السيبرانية
على عكس اعتقاد الكثير أن الحروب السيبرانية هي حروب مستقبلية، لم يشهدها العصر الحديث، فقد تطورت تلك دول مثل روسيا، والصين، وكوريا الشمالية، وإيران، والولايات المتحدة الامريكية، في العقدين الماضيين بالعديد من الحوادث السيبرانية التي شملت التجسس والتخريب والتدخل السياسي.
ففي عام 2007، تعرضت مواقع الويب الإستونية لواحدة من أكبر الهجمات السيبرانية في التاريخ، حيث تم إغراق المواقع بسيل من حركة المرور الوهمية في ما يُعرف بهجوم “DDoS”حجب الخدمة.
وفي العام التالي لها 2008 شنت روسيا هجومًا مشابهًا على جورجيا، مما أبرز حقيقة أن الحرب السيبرانية يمكن أن تكون حربًا خاطفة في مجال تكنولوجيا المعلومات.
أما في عام 2010، فقد تعاونت الولايات المتحدة وإسرائيل في إطلاق دودة حاسوبية خبيثة تُعرف باسم “ستوكسنت” بهدف تدمير المنشآت النووية الإيرانية. هذه الدودة، التي تُعد من أكثر البرامج الخبيثة تطورًا في العالم، كانت خطوة غير مسبوقة في عالم الحروب السيبرانية.
أحد أبرز الأمثلة على تأثير الحرب السيبرانية كان الهجوم الذي شنته روسيا على مرافق الطاقة الأوكرانية عام 2015، بعد استيلائها على شبه جزيرة القرم في العام السابق. الهجوم أدى إلى انقطاع الكهرباء عن مئات الآلاف من الأشخاص لفترة قصيرة، واستمر ليشمل البنوك الأوكرانية، والبنية التحتية للنقل والموانئ. هذا الهجوم كان بمثابة إعلان رسمي لدخول الفضاء السيبراني إلى ساحة الحرب.
كما شهدت الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 تدخلات سيبرانية نُسبت إلى فاعلين روس، مما أثار مخاوف كبيرة بشأن قدرة الهجمات السيبرانية على التأثير في العمليات الديمقراطية.
لا تزال الهجمات السيبرانية جزءًا من الصراع في أوكرانيا، حيث سجلت تقارير زيادة كبيرة في عدد الهجمات التي نفذتها روسيا، بلغت أكثر من 150 هجومًا على البنية التحتية الأوكرانية.
لم تقتصر تلك الهجمات على التأثير الفني فقط، بل كانت جزءًا من استراتيجية نفسية تهدف إلى إضعاف الروح المعنوية للعدو، حيث تم استهداف شبكات الكمبيوتر الحكومية بهدف مسح البيانات قبل أن تبدأ الحرب العسكرية.
مستقبل الحروب السيبرانية
بدأت الدول في تسخير الذكاء الاصطناعي في الحروب السيبرانية، حيث لم يعد الهجوم يعتمد على البرمجيات الخبيثة فقط، بل يشمل أنظمة تحليل وهجوم ذاتي التجديد.
لم تعد القوة تُقاس بعدد الدبابات، بل بقدرة الدولة على حماية بياناتها وشبكاتها، والتي يتزامن معاها بان تشهد البشرية حربًا سيبرانية غير مسبوقة، بحسب تصريحات الخبراء لمجلة “نيو ساينتست” التي تنبأت بصراع سيبراني ضخم بين الدول الكبرى.
كما يحذرالمسؤولون مثل عضو مجلس الشيوخ الأمريكي ماركو روبيو من أن هذه الحروب قد تكون أكثر تعقيدًا ودمارًا من الحروب التقليدية.
وأكد الخبراء أن الدول التي تستطيع تطوير قدرات هجومية ودفاعية سيبرانية متقدمة ستكون في مقدمة القوى العالمية المستقبلية. ستُصبح الحماية السيبرانية للبنى التحتية الوطنية أولوية قصوى. لذلك، لا بد من تفعيل استراتيجيات دفاعية قوية لمواجهة هذه التهديدات المتزايدة، خصوصًا أن الحرب القادمة قد لا تُقاس بالرصاص، بل بشبكات الإنترنت والخوارزميات.
أقرّ الاتحاد الأوروبي عام 2019 قانون الأمن السيبراني الذي عزّز من دور وكالة ENISA، بهدف توحيد المعايير الأمنية في دول الاتحاد وتحسين القدرة على مواجهة الهجمات الإلكترونية.
وتعتمد الولايات المتحدة على وكالة CISA المختصة بحماية البنية التحتية الرقمية، بالتعاون مع شركات التقنية الكبرى مثل مايكروسوفت وغوغل، لتطوير حلول ذكية ودفاعات استباقية.
على الجانب الآخر تعمل روسيا على مشروع “الإنترنت السيادي”، الذي يتيح لها تشغيل شبكة داخلية مستقلة عن الإنترنت العالمي، لحماية الدولة في حال وقوع هجمات سيبرانية خارجية.
الصين برزت كقوة رقمية من خلال برنامج “جيش الدفاع السيبراني”، الذي يوظف الذكاء الاصطناعي ويُعد من أكثر البرامج تطورًا هجوميًا ودفاعيًا في العالم.