تتسم إستراتيجيات المسئولية الاجتماعية للشركات بملمحين جوهريين؛ الأول هو التواصل والاستمرارية في تخطيط وتنفيذ البرامج الهادفة إلى تحسين الأنماط المعيشية بالمجتمع والبيئة المحيطة بما يكفل حصول المؤسسة على اعتراف مجتمعي أصيل، يدعم سمعتها وصورتها الذهنية، أما الملمح الثاني فهو المصداقية والشفافية، التي تكفل واقعية واتساق نتائج هذه المبادرات، وقابلتها للتنفيذ؛ بما يتماشى مع احتياجات المواطن؛ باعتباره حجر الأساس الأول والأخير لمبادرات التكافل الإنساني والتساند المجتمعي .
هذه الفلسفة الأخلاقية هي الحلم المأمول الذي يتجسد فيه الاتساق التام بين مثاليات العلم وسلوكه الواقعي، من خلال استراتيجية تنموية توجه خطط وجهود مبادرات المسئولية الاجتماعية للشركات نحو تعزيز رفاهية المواطن؛ الذي يمثل بدوره أداة دعائية وتسويقية قادرة ومستعدة علي دفع أسعار أعلى للمنتجات المرتبطة بنمط معين لهذه البرامج؛ مما يعد تعويضًا عظيمًا لنوايا الشركات وغاياتهم الأخلاقية.
ثم يأتي الوجه الآخر متجسدًا في اتخاذ بعض الشركات من برامج المسئولية الاجتماعية ذريعة لزيادة قوتها ونفوذها وفرض هيمنتها علي القضايا الاجتماعية والمسائل الاقتصادية، أو توظيفها كوسيلة للدعاية الزائفة، التي تغلب المصلحة الذاتية للشركة على المصلحة العامة للمجتمع، لاسيما مع عدم الاستقلالية التامة للمنظمات ببعض الدول وتبعيتها للحكومة، وهو ما يفرض عليها اتساق وارتباط برامج مسئولياتها الاجتماعية مع الاستراتيجية الحكومية، ومن ثم تغليب بعض المبادرات، ومنحها أولوية خاصة علي حساب الأنشطة الموجهة نحو الموظفين والعملاء.
إن الإشكالية إذن تكمن في صياغة تخطيط استراتيجي متكامل لبرامج المسئولية الاجتماعية يرتكز علي مبادئ نزاهة العلاقات مع العملاء، والاستثمار في المورد البشري، والحفاظ علي المبادئ الأخلاقية واحترام القانون، وتعزيز مفهوم الكرامة الإنسانية لكل من المواطن والموظف والمستهلك؛ بشكل أخلاقي وقانوني خالص؛ حتي وإن تعارضت هذه الأنشطة مع اتجاهاتهم الاستثمارية، ومعتقداتهم الأيديولوجية والفكرية .