تواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة في فلسطين أعباء منذ بداية أزمة كورونا، لدرجة أن استمرار جانب منها بات مثار تساؤل حسب العديد من الدراسات.
تقدر نسبة هذه المشاريع “المنشآت”، بأكثر من 90% من المنشآت الموجودة في فلسطين، وهي تستقطب عدداً كبيراً من العاملين، وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء.
وذكرت دراسة صادرة عن غرفة تجارة وصناعة رام الله والبيرة، حول الآثار الاقتصادية لإغلاق المنشآت في محافظة رام الله والبيرة، وشملت 716 منشأة، فإن غالبية المنشآت بواقع 84% انخفضت طاقتها الإنتاجية بشكل كبير، إلا أن 59% منها واجهتها مشكلة في ارتفاع تكاليف الإنتاج وصعوبة وصول المواد الخام، وارتفاع في كلفة الحصول عليها بنسب متفاوتة، وفقًا لجريدة الأيام الفلسطينية.
78% تراجعت حجم مبيعاتها
وأظهرت الدراسة أن غالبية المنشآت وهي أساسا متناهية الصغر (58%) أي تشغل (1-4 عمال)، بخلاف 34% أخرى توظف 5-20 عاملاً وموظفاً، فإنه نتيجة لاستمرار الإغلاق الجزئي، 41% منها قد تضطر إلى تسريح جزء من عمالها وموظفيها، لعدم تمكنها من تغطية نفقاتهم ودفع رواتبهم.
وبينت 78% أنها عانت من مشكلة تراجع حجم مبيعاتها، ما ترتب عليه تراجع حجم إيراداتها بنسبة وصلت إلى 89%، وفي حال استمرار ذلك فإن كثيرا منها ستكون مهددة بالإغلاق.
حجم خسائر المنشآت المستهدفة بأكثر من 40 مليون دولار
إحدى المسائل اللافتة في الدراسة الحديثة، التي أجريت خلال الشهرين الماضيين، وقدرت حجم خسائر المنشآت المستهدفة بأكثر من 40 مليون دولار، اشارت غالبية المنشآت بواقع 84% إلى أنها لا تستطيع احتمال حالة الإغلاق الكلي أو الجزئي، لمدة تتجاوز فترة ثلاثة أشهر، بينما أكدت 6% فقط من المنشآت، أن لديها القدرة على الصمود والتأقلم لمدة تزيد على ثلاثة أشهر.
كما ركزت الدراسة على “محدودية الحلول التي يمكن اللجوء إليها لمعالجة آثار الأزمة، مثل الاقتراض من البنوك، بالتالي فإن تدخل الحكومة بشكل مباشر ومنسجم مع حجم الأضرار التي ألحقتها الجائحة، وحالة الإغلاق على الاقتصاد، بات أمرا ملحا وضروريا”.
وفي المقابل، فإن الحكومة ممثلة برئيسها د. محمد اشتية، تدرك خطورة الوضع، ما عبر عنه اشتية بالذات خلال مؤتمر صحافي أعقب الجلسة الأسبوعية الأخيرة لمجلس الوزراء، حينما أعلن عن برنامج مخصص لدعم هذه المنشآت.
اشتية قال: بالتشاور والتنسيق مع جميع الجهات ذات العلاقة، نعلن عن توفير مبلغ 300 مليون دولار لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة المتضررة من الأزمة، حيث ستمنح هذه المشاريع قروضاً ميسرة جدا من خلال المصارف، والمؤسسات المالية الأخرى بإدارة سلطة النقد، حيث ستساهم سلطة النقد بمبلغ 210 ملايين دولار.
في هذه الأثناء، فإن بعض المبادرات بدأت تظهر هنا وهناك، لمساعدة جانب من هذه المشاريع، كما فعلت الجمعية الفلسطينية لصاحبات الأعمال “أصالة”، التي اطلقت حملة “الكم من بيتي”، وتهدف إلى مساندة ودعم النساء صاحبات المشاريع الصغيرة والمتوسطة، المتضررات من أزمة كورونا.
حسب ميرنا زيادة، مديرة البرامج في الجمعية، فإن الحملة جاءت لدعم الأسر الأقل حظاً، وصاحبات المشاريع الصغيرة المتضررات من الأزمة الحالية، بالتالي فإن الحملة لدعم النساء العاملات في قطاع الإنتاج الغذائي، عبر شراء مجموعة من السلال الغذائية مباشرة من النساء، وتوزيعها على الأسر الأقل حظاً المتضررة من الجائحة.
من ناحيته، قال صلاح هنية، رئيس جمعية حماية المستهلك في محافظة رام الله والبيرة، المنسق العام لائتلاف جمعيات حماية المستهلك: من الواضح ان الصعوبات التي تواجه المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر كبيرة في ظل وباء كورونا، من حيث القدرة على الوصول الى الأسواق، وتسويق منتجاتها، وحصرها في أسواق صغيرة ضيقة، وانسداد قنوات التسويق التي كانت تتيحها المعارض، والطلبات من الشركات والمؤسسات غير الحكومية لمناسباتها او توزيع الهدايا من منتجات هذه المشاريع.
وتابع: كانت هذه المشاريع ومنتجاتها تضمن لنفسها موقعاً على رفوف، وثلاجات السوبرماركت، وبعضها كان يسوق منتجاته عبر المحال المتخصصة بالتطريز والهدايا.
واستدرك: كون معظم هذه المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، حصلت على قروض من مؤسسات الإقراض الصغير أو من البنوك، التي أنشأت برامج متخصصة لإقراض هذه المشاريع، نرى ضرورة ان تشارك هذه المشاريع في تحمل الأضرار، خاصة تلك التي تقوم عليها نساء، باعتبار أن غالبيتهن يقمن بإعالة أُسرهن أو يساهمن بجزء كبير من الإعالة، وحجم الضرر سيكون مضاعفاً عليهن، وبناء عليه بإمكان مؤسسات الإقراض، فتح قنوات ومنافذ تسويق جديدة لهذه المشاريع، عبر آليات مثل “البازار الالكتروني”، اذ يمكن عبره الاطلاع على المنتجات وطلبها وايصالها الى المستهلك بطريقة مهنية ومعقمة، كما أن بالإمكان إعادة تفعيل نشاطهن في السوق، عبر مؤسسات الإقراض، كمشاركة في الاضرار ودراسة مدى تخصيص زوايا لهن في المولات والمحلات، والدور الأكبر والاهم شراء هذه المنتجات بالكامل والقيام بتسويقها بطريقة مؤسسات الإقراض الصغير وهذا سيكون حلاً جذرياً مناسباً.
ودعا كافة الجمعيات والمبادرات للتكافل الاجتماعي، والشركات عند تقديم أي طرود غذائية، تضمينها منتجات هذه المشاريع الصغيرة ودعمها خاصة خلال شهر رمضان، وعيد الفطر.
وقال: رمضان فرصة لتسويق تلك المنتجات رغم تغير الظروف، وهذا يستدعي إبداعاً في الأمر، والتعامل مع الزبائن الدائمين لهذه المشاريع وإيجاد زبائن جدد أيضاً، إذ إن تراكم هذه المنتجات لدى أصحاب المشاريع الصغيرة سيكون مضرا، سواء كانت المشاريع مناحل وإنتاج عسل، أو ثروة حيوانية، أو مشاريع التطريز والتحف، وهذه أضرارها أكبر لأن إمكانية تسويقها أصعب اليوم ودرجة الضرر أكبر، وهنا تقع مسألة المشاركة في الضرر من قبل مؤسسات الإقراض.
من ناحيته، رأى أنور الجيوسي، عضو الشبكة الفلسطينية للإقراض، مدير عام المؤسسة الفلسطينية للإقراض والتنمية “فاتن”، أن مؤسسات الإقراض تدرك مدى أهمية هذا القطاع، بالتالي تم منذ بداية الأزمة تأجيل دفع أقساط المستفيدين لمدة أربعة أشهر.
وأشار إلى حيوية الدور الذي تلعبه مؤسسات الاقراض، في دعم مشاريع متنوعة خاصة تلك التي تديرها نساء.
وقال: لا شك أن الأزمة الحالية سببت ضرراً، وإن كان بنسب متفاوتة، لكن علينا الانتظار ريثما نتمكن من الاطلاع بشكل دقيق ومفصل على حجم الأضرار لتحديد طبيعة التدخلات.
وأضاف: الناس في حالة ترقب الآن، ريثما تتضح الصورة، خاصة في ظل ما سببته الأزمة من تداعيات اقتصادية، أثرت بدورها على شتى القطاعات، بما فيها قطاع الإقراض.
واستدرك: رغم الظروف، فإن مؤسسة فاتن، التي تقود عمل قطاع الإقراض، وتوجيهه ليكون منتجاً وتنموياً ويترك الأثر المنشود والبصمة الواضحة في حياة المستفيدين والاقتصاد الفلسطيني عامة، وقعت مذكرة تفاهم الأسبوع الماضي، مع الصندوق الفلسطيني للتشغيل والحماية الاجتماعية، لإنشاء برنامج اقراض طارئ تأسيسي، بقيمة أربعة ملايين دولار، لدعم وتمكين أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر التي تضررت بشكل مباشر وغير مباشر من انتشار وباء كورونا، عبر تقديم الدعم المالي والفني لهذه المشاريع.
وقال: البرنامج سيسهم في تحسين بيئة الأعمال في المشاريع الصغيرة المتضررة، بهدف المساهمة في فتح آفاق عمل في مجالات مرتبطة بالمشاريع للفئات المستهدفة، لتحسين أدائها ومواجهة الظروف الحالية، إضافة الى تعزيز صمود المواطن على أرضه، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية من تداعيات كورونا، والاحتلال الإسرائيلي.