تناقش يوميًا عشرات الرسائل العلمية بين ماجستير ودكتوراه إلى جانب أبحاث الترقية بمختلف الأقسام الأكاديمية بالعلوم التطبيقية والاجتماعية، ولكنها لا تجد مستجيبًا لتوصياتها ونتائجها، على الرغم من حصول أصحابها على أرقى الدرجات العلمية؛ بأعلى التقديرات والتوصية بنشر الرسالة العلمية، وطبعها على نفقة الدولة وتبادلها بين الكليات المناظرة، فهل نحن حقًا نجيد الجعجعة والقول بلا فعل؟
المشهد الثاني، هل تتذكرون مقررًا علميًا واحدًا في سنوات الدراسة بالجامعة -أيًا كانت الكلية – يدعو الطلاب نحو إدراك أسس البحث العلمي السليم، وفق ضوابط وقواعد منهجية، تنمي مهارات النقد والتحليل والاستنباط والاستقراء لديهم، كي تكون تأهيلًا ممتازًا لمرحلة الدراسات العليا.
المشهد الثالث، هل يدرك أعضاء هيئة التدريس بالجامعات مؤشرات البحث العلمي السليم؟ وهل نمتلك بيئة جامعية خصبة قادرة علي احتضان هذه المؤشرات؟ وهل من بين هذه المعايير مدي كفاءة كل من رأس المال الاجتماعي ، ورأس المال الاتصالي، ورأس المال البشري ، ورأس المال الفكري بالجامعة؟ أم أن رؤيتنا الأكاديمية مازالت محدودةً، ولا تري سوي رأس المال الإداري بما يمتلكه من خطط إستراتيجية وإمكانات مادية فقط؟
المشهد الرابع، هل الثقافة الجامعية تقوم حقًا علي تبادل المعارف والخبرات بين الطلاب وذويهم وبين أعضاء التدريس؟ هل تحرص الكليات علي تنمية المهارات العملية للطلاب؟ وهل جامعاتنا مؤهلة لممارسة الرياضة والفنون المختلفة؟ وهل للنظم التكنولوجية والتطبيقات الرقمية نصيبًا بارزًا بالجامعات المصرية في ضوء إستراتيجيات التحول الرقمي؟
وهل تقودنا المشاهد السابقة لإجابة؟ أم أنها للأسف تقودنا نحو تساؤل جديد أكثر إلحاحًا وهو هل نمتلك إستراتيجية مجتمعية مخططة لتأصيل ما يدعي بالبحث العلمي؟ وهنا أقصد إستراتيجية تتضافر فيها جهود وإمكانات سائر أجهزة التنشئة الاجتماعية، بالتكامل مع الوزارات المعنية وهيئات المجتمع المحلي، بموجب لوائح وسياسات قومية داعمة، ولا أقصد عزفًا منفردًا من وزارة أو هيئة واحدة، فهذا هو عنوان العشوائية التائهة في طي الغموض والفشل.
لعل التساؤلات السابقة قد قدمت لأولي الألباب العديد من المؤشرات والدوافع حول ضرورية وحتمية التحول والانطلاق الجاد والبناء نحو منظومة البحث العلمي، شريطة تحول البناء الفكري والنظام الاجتماعي بأكمله نحو درء الحفظ والتلقين والسعي قدمًا نحو آفاق النقد والتحليل والاستنباط .