في عام 1976، انطلقت شركة “أبل” من مرآب صغير بمنزل عائلة ستيف جوبز في كاليفورنيا، حين تعاون جوبز مع صديقيه ستيف وزنياك ورونالد واين لتأسيس مشروع تكنولوجي بسيط لم يكن يدور في خلدهم أنه سيصبح أحد أعظم قصص النجاح في العصر الحديث.
الانطلاقة التجارية الحقيقية ل Apple II
بدأ المشروع بإنتاج أول جهاز كمبيوتر شخصي “Apple I”، وهو جهاز بدائي مخصص لهواة التقنية، قبل أن تنجح أبل سريعًا في إنتاج “Apple II” عام 1977، الذي حقق انتشارًا واسعًا وبيع منه أكثر من 6 ملايين وحدة، ليؤسس حضورًا قويًا للشركة في سوق الحواسيب.

ماكنتوش والصراعات الداخلية
واصلت أبل خطواتها نحو الريادة بإطلاق جهاز “ماكنتوش” عام 1984، الذي قدم واجهة استخدام رسومية كانت سابقة لعصرها، لكن الصراعات الإدارية الداخلية سرعان ما أطاحت بجوبز خارج الشركة عام 1985.

سنوات التخبط والتراجع بعد جوبز
بدأت أبل تواجه انتكاسات كبيرة، إذ فشلت في مجاراة المنافسة الشرسة من مايكروسوفت وأجهزة IBM، كما طرحت منتجات لم تلقَ النجاح المتوقع مثل جهاز “Newton PDA”، مما أدخل الشركة في دوامة من الخسائر والتخبط.
عودة ستيف جوبز
في 1997، عاد ستيف جوبز إلى الشركة في لحظة حاسمة كادت تصل فيها أبل إلى حافة الإفلاس. قاد جوبز حملة إصلاح شاملة، أوقف خلالها خطوط إنتاج غير ناجحة، وأبرم صفقة استراتيجية مع مايكروسوفت لضمان استمرار دعم برامج “أوفيس” على أجهزة ماك، وأطلق حملة “Think Different” الإعلانية التي أعادت تقديم أبل كعلامة تجارية مبتكرة ومتمردة.

iPod وiTunes وتغيّر صناعة الموسيقى
بدأت ملامح النهضة تظهر من جديد مع إطلاق “iMac” عام 1998 بتصميمه الجذاب، ثم جاءت الثورة الأكبر مع طرح جهاز “iPod” عام 2001، الذي غيّر صناعة الموسيقى الرقمية تمامًا، بفضل تكامله مع متجر iTunes.
“آيفون” الثورة التي غيّرت عالم الهواتف الذكية
لكن اللحظة الفارقة في تاريخ الشركة كانت في عام 2007، عندما كشف ستيف جوبز عن هاتف “iPhone” الذي أعاد تعريف مفهوم الهاتف الذكي. تميز آيفون بتجربة استخدام فريدة وتصميم أنيق وتكامل مع نظام تشغيل iOS، وسرعان ما أصبح المنتج الأيقوني لأبل، حيث تم بيع أكثر من 2.2 مليار وحدة منه حتى الآن.

iPad وهيمنة سوق التابلت
واصلت أبل الابتكار بإطلاق “iPad” عام 2010، الذي سيطر على سوق الأجهزة اللوحية لسنوات، وأثبت قدرتها على خلق أسواق جديدة بالكامل.
أبل بعد جوبز
بعد وفاة جوبز عام 2011، تولى تيم كوك قيادة الشركة، واستطاع الحفاظ على زخم النمو عبر تنويع مصادر الإيرادات، فركز على تطوير خدمات رقمية مثل Apple Music وApple TV+، إلى جانب الابتكارات التقنية في معالجات M1 وM2، التي عززت أداء أجهزة ماك وآيباد.

أبل أول شركة تصل إلى 3 تريليونات دولار
توجّت هذه المسيرة بوصول أبل إلى قيمة سوقية قدرها 3 تريليونات دولار في عام 2022، لتصبح أول شركة في التاريخ تحقق هذا الإنجاز، ما يعكس نجاح نموذجها التجاري وثقة المستثمرين في مستقبلها.
أرقام تروي قصة النجاح
بلغت مبيعات أبل في عام 2024 أكثر من 383 مليار دولار، منها أكثر من 200 مليار دولار من مبيعات آيفون وحده، الذي لا يزال يشكل العمود الفقري لإيرادات الشركة.
كما حققت فئة الخدمات الرقمية (مثل iCloud، App Store، Apple Music) أكثر من 85 مليار دولار، مما يعزز رهان أبل على تنويع مصادر الدخل.
ورغم انخفاض طفيف في مبيعات “iPad”، شهدت أجهزة “ماك” انتعاشًا بفضل معالجات M2 الجديدة. كما تواصل أبل ريادتها في سوق الأجهزة القابلة للارتداء مثل “Apple Watch” و”AirPods”، مع هيمنة واضحة على الفئة الفاخرة من الهواتف الذكية.
أسرار التفوق
يرجع نجاح أبل إلى عوامل متشابكة، أبرزها التزامها الدائم بالابتكار، وقدرتها على دمج الأجهزة والبرمجيات بسلاسة لخلق تجربة مستخدم متفوقة، إضافة إلى إستراتيجية تسويق مؤثرة تعتمد على العاطفة والتميز، مثل حملات “Think Different” و”Shot on iPhone”. كما ساعد بناء نظام بيئي متكامل، يربط بين آيفون، ماك، آيباد، ساعة آبل، وسماعات AirPods، في ترسيخ ولاء العملاء وتسهيل الاستخدام.

فصل جديد من الريادة
ورغم المنافسة الشديدة من شركات كبرى مثل سامسونج وجوجل، لا تزال أبل تحافظ على مكانتها كأكثر علامة تجارية قيمة في العالم. ومع دخولها مجالات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي والسيارات الكهربائية، فإن السنوات المقبلة قد تحمل فصلاً جديدًا من فصول هذه القصة الاستثنائية، التي تلخصها مقولة ستيف جوبز الشهيرة:”الابتكار هو مالابتكار هو ما يميز بين القائد والتابع”.