تتجه أنظار العالم خلال الفترة الحالية إلى العملاق الصيني الذي يطمح وبقوة لتغيير ملامح الاقتصاد العالمي، وذلك بعد الإعلان عن إعادة أحياء طريق الحرير، الأمر الذي سيجعل الصين هي الإمبراطورية التجارية الأكبر في العالم.
ففي عام 2013 أعلنت الصين عن مبادرة «الحزام والطريق»، لإعادة إحياء الطريق التجاري القديم الذي ربط الصين بأوروبا والجزيرة العربية المسمى في تلك الحقبة بـ«طريق الحرير»، والذي يمتد تاريخهإلى عام 3000 قبل الميلاد، وتم من خلاله تبادل البضائع بين تجار أوروبا والجزيرة العربية والصين.
وفي عام 2017 دعت الصين رؤساء جميع الدول الواقعة على طريق الحرير لاجتماع في قمة عالمية ببكين، وسط تحفظات من الهند والولايات المتحدة الأمريكية، للإعلان عن مبادرة الحزام والطريق وإعادة طريق الحرير الجديد للعمل ليفيد عملية النمو الاقتصادي العالمي ومواجهة تراجع الصادرات.
الميزانية المخصصة للمشروع
خصصت الصين 900 مليار دولار للبنية التحتية الواقعة في دول الحزام والطريق، تتضخم إلى 8 تريليونات دولار باكتمال المشروع في 68 دولة بما يشكل نحو ثلث الناتج العالمي، ويخدم حوالي 65% من سكان العالم.
وتهدف الصين لضخ استثمارات تبلغ 50 مليار دولار لتطوير الموانىء على الطريق، بالإضافة إلى عدة مشروعات مشتركة لتطوير البنية التحتية والاستثمارات في الدول الواقعة على الطريق من بينها 9 دول عربية.
ويشمل طريق الحرير البري الجديد 6 ممرات فرعية تربط الصين باتجاهات مختلفة، بالإضافة إلى إنشاء شبكة سكك حديدية طموحة تربط الصين بآسيا وأوروبا من بينها خط من شنغهاي إلى الصين يصل طوله حوالي 12 ألف كم بتكلفة تريليون دولار أمريكي، وفي عام 2014 انطلق أول قطار شحن من شنغهاي إلى لندن ووصل بعد 14 يومًا.
خطة مستقبلية لاختصار ثلث الطريق
تطمح الصين لإنشاء طريق الحرير القطبي، وذلك بعد ذوبان جليد القطب الشمالي، والذي سيؤدي إلى اختصار طريق الحرير البحري عبر قناة السويس بمقدار الثلث.
الاتفاقيات الصينية مع دول طريق الحرير
عقدت الصين عدة اتفاقيات مع دو طريق الحرير أبرزها، اتفاقية انجاز ممر اقتصادي مع باكستان بقيمة 57 مليار دولار، وشراء ثالث أكبر المرافىء التركية من قبل شركات صينية، بالإضافة إلى إنشاء أكبر مجمع للتكنولوجيا صيني خارج حدود الدولة وسيقام في بيلاروسيا، إلى جانب إنشاء مجمع للصلب والألومنيوم في ماليزيا وسيصدر هذه السلع إلى باقي دول العالم.
أهمية الطريق بالنسبة للصين
طريق الحرير سيساعد البضائع الصينية في الوصول إلى أكثر من 68 دولة حول العالم، وأيضًا سيعود التجار الصينيين ببضائع من تلك الدول إلى الصين، وبالنظر إلى ذلك سنجد أن مصلحة الصين أقوى من جميع الدول الواقعة ضمن المبادرة باعتبار أن سعر السلع الصينية أقل مقارنة بالسلع المتواجدة بالدول الأخرى ويساعدها في ذلك حجم مصانعها التي تمكنها من إنتاج سلع أكثر من أي منافس آخر.
كما تسعى الصين من خلال طريق الحرير الجديد إلى تصدير الفائض من منتجاتها التي تراجعت بعد تراجع الصادرات على مستوى العالم، بالإضافة إلى الترويج للصناعات التي دخلت بها الصين حديثًا كصناعة السيارات والدخول كمنافس للدول التي تتميز في تلك الصناعات، خاصة وأن الربط بين الصين وباقي الدول سواء كان عن طريق السكك الحديدة أو الموانىء سيسهل وصول البضائع إلى باقي الدول بشكل أسرع.
ومن المتوقع أن يصل التبادل التجاري بين الصين وباقي الدول إلى 3 تريليون دولار.
الإمارات أكبر المتضررين
قامت الصين باستئجار ميناء غوادر الباكستاني لمدة 40 عامًا قادمة، وهذا الميناء سينهي حياة ميناء دبي وجبل طارق، نظرًا لموقعه الاستراتيجي العام كونه يربط بين جنوب ووسط آسيا والشرق الأوسط، إلى جانب كونهالجزء الأكثر أهمية في طريق الحرير القديم الذي يربط الصين بالقارات القديمة الثلاثة «آسيا أوروبا وإفريقيا»، إلى جانب إطلالته على بحر العرب قرب مضيق هرمز، مما يقلل الوقت والمال للرحلات التي تعبر من خلاله.
وبالفعل تحولت بلدة غوادر الساحلية الباكستانية الفقيرة، إلى ميناء ضخم يضم حاويات وفنادق ضخمة، وأصبح مصبًا لنحو 3 آلاف كم من السكك الحديدة تربطها بغرب الصين، مما أثر على اقتصاد دبي في عام 2017 وفقد بريقه الذي كان يتمتع به من قبل.
ونتيجة لذلك سارعت الإمارات إلى استئجار الموانىء الحساسة لمضيق باب المندب الاستراتيجي بعقود طويلة الأمد لفترة تترواح ما بين 30 إلى 100 عامًا، كميناء عدن وجيبوتي وإريتريا ومينائي الصومال بالإضافة إلى السيطرة على جزيرة سوقطرى، وذلك للوقوف أمام المشروع الصيني العملاق.
مخاطر إعادة طريق الحرير
طريق الحرير يمر بأكثر من 60 دولة ولهذا فالمخاطر الجيوسياسية التي ستؤثر على الطريق لا يمكن استبعادها، فهناك مخاطر في الشرق الأوسط وأيضا كوريا الشمالية وما تشكله من تهديدات لجيرنها في المنطقة الأسيوية، فبالنظر إلى تلك الأمور لا نستبعد أنها من الممكن أن تلعب دورًا في إفشال المشروع.