في سعيه الدائم لرصد التحولات الكبرى في الاقتصاد المصري، يواصل موقع “ريادي” تقديم سلسلة “رواد السوق المصرية”، التي تسلط الضوء على أبرز الشخصيات التي صنعت الفارق وأسهمت في إعادة رسم ملامح القطاعات المختلفة.
فالسوق لا تنمو بالأرقام وحدها، بل تقودها عقول جريئة قادرة على استشراف المستقبل، وابتكار حلول غير تقليدية تعيد صياغة قواعد اللعبة.
ومن بين هذه الأسماء التي حفرت بصمتها بوضوح في عالم التكنولوجيا المالية، يبرز اسم “محمد عكاشة” ، الذي تحول من شاب شغوف بعالم الكمبيوتر والإدارة إلى أحد أبرز رواد صناعة المدفوعات الإلكترونية، مؤسسًا لتجارب ملهمة بدأت مع “فوري” وتستكمل اليوم مسيرتها مع صندوق “ديسربتيك”.
عكاشة يمثل نموذجًا للرؤية بعيدة المدى التي تجمع بين الخبرة والقدرة على اقتناص الفرص وتحويلها إلى كيانات ناجحة.

البدايات الأكاديمية وبذرة الحلم
في فبراير عام 1995، تخرج محمد عكاشة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، جامعًا بين تخصص رئيسي في علوم الكمبيوتر وآخر ثانوي في إدارة الأعمال.
كان ذلك المزج بين التقنية والإدارة بداية رحلة فريدة، جمعت بين القدرة على فهم التكنولوجيا ورؤية شاملة لإدارة الأعمال.
وما إن أنهى دراسته، حتى انضم مباشرة إلى شركة “بروتكت”، التي اندمجت لاحقًا ضمن كيان أكبر ليصبح جزءًا من مجموعة “راية”.
مدرسة “راية”.. جيل جديد من القيادات
يصف عكاشة سنوات عمله في “راية” حتى عام 2006 بأنها بمثابة “مدرسة” خرجت قادة التكنولوجيا في مصر.
فقد عمل مديرًا بشركة “راية للنظم”، وكان جزءًا من بيئة مهنية احتضنت مواهب عديدة تحولت فيما بعد إلى مؤسسين لشركات بارزة في السوق.
ويؤكد أن هذه المرحلة صقلت خبراته وزرعت فيه الثقة بقدرة الشباب على إحداث الفارق في قطاع التكنولوجيا.
فودافون.. تجربة عالمية
بعد “راية”، انتقل عكاشة إلى “فودافون”، حيث تولى مناصب متعددة في المبيعات والتسويق، إضافة إلى خبرات ميدانية مع شركات تابعة فودافون في أفريقيا والهند وتركيا.
هذه التجربة الدولية أكسبته رؤية أوسع لطبيعة الأسواق الناشئة، وكيف يمكن للتكنولوجيا أن تعيد صياغة أنماط الحياة اليومية والخدمات المالية.

فوري.. قصة نجاح مصرية
عام 2009 كان نقطة تحول في مسيرته؛ حين انضم إلى فريق صغير يقوده أشرف صبري وماجدة حبيب لبناء شركة “فوري”.
ورغم أن الفكرة الأساسية كانت تقديم خدمات دفع الفواتير عبر ماكينات الصراف الآلي، إلا أن عكاشة أضاف رؤية جديدة
تمثلت في توفير الخدمة عبر المحال التجارية.
هذا الابتكار البسيط فتح الباب أمام ملايين المصريين للتعامل مع المدفوعات الإلكترونية بسهولة، وجعل “فوري” رائدة التحول الرقمي في مصر.
من “فوري” إلى “ديسربتيك”.. رحلة الاستثمار
في أبريل 2020، وبعد أكثر من عقد في قيادة “فوري”، قدّم عكاشة استقالته من منصب العضو المنتدب ليبدأ فصلًا جديدًا في مسيرته،
مؤسسًا مع شركائه مالك سلطان، ويحيى أبو الوفا، ودينا الشريف، شركة “ديسربتيك”.
جاء تأسيس الشركة استجابة لقناعة راسخة لدى عكاشة بأن التحول الرقمي يفتح فرصًا هائلة أمام الشركات الناشئة، وخاصة في قطاع التكنولوجيا المالية.
رؤية استشرافية وخطط مستقبلية
يرى عكاشة أن تجربة “فوري” دليل حي على كيف يمكن للتكنولوجيا أن تسد فجوة أساسية في حياة العملاء،
وأن الاستثمار في شركات الـFinTech اليوم هو رهان على المستقبل.
فبرؤيته الطموحة، يسعى مع “ديسربتيك” لدعم جيل جديد من الشركات القادرة على إعادة تشكيل النظام المالي في مصر والمنطقة.

وفي آخر تصريح له، أكد محمد عكاشة، الشريك المؤسس لصندوق “ديسربتيك” لرأس المال المخاطر، أن الصندوق يستهدف استثمار نحو 12 مليون دولار خلال عام ونصف العام،
في خطوة تعكس التوسع المستقبلي للصندوق ورهانه على فرص نمو قطاع التكنولوجيا المالية.
إن تجربة محمد عكاشة ليست مجرد سيرة مهنية، بل درس في كيفية الجمع بين الطموح الشخصي والرؤية الوطنية. فمسيرته تعكس كيف يمكن لرائد أعمال أن يبني منظومات تغير سلوكيات المجتمع وتدفع عجلة الاقتصاد نحو الرقمنة والشمول المالي.
وفي إطار سلسلة “رواد السوق المصرية”، يظل عكاشة شاهدًا حيًا على أن الاستثمار في الإنسان والفكرة يمكن أن يصنعا الفارق، وأن السوق لا تزال في حاجة إلى مزيد من أمثال هؤلاء الرواد.













