أثارت جلسة "كيف تتناول الثقافة الاستراتيجية في الإفطار والغداء والعشاء؟" ضمن فعاليات القمة الثالثة للتقرير السنوي لريادة الأعمال المصري 2025، تساؤلات جوهرية: هل يمكن للثقافة المؤسسية أن تكون سلاحًا استراتيجيًا يحمي الشركات الناشئة من الفشل؟ وما الثمن الذي تدفعه المؤسسة عندما تتعامل مع قيمها كمجرد "تفاصيل شكلية"؟
إجماع على المبدأ: الثقافة هي حجر الأساس
أجمع كل من هدير شلبي، المدير التنفيذي لشركة “طلبات مصر”، ومدحت ياسين، نائب الرئيس التنفيذي لشركة “Mori International”، خلال الجلسة الحوارية على أن الإجابة تكمن في جعل الثقافة المؤسسية هي “الدماغ” الذي يقود جميع القرارات، بدءًا من التوظيف وحتى التقييم. حيث شددا على أن التوظيف الحقيقي لا يتم لشغل وظيفة شاغرة، بل للعثور على الشخص المتوافق ثقافيًا، مؤكدين أن “العقلية الريادية والشغف” يفوقان في أهميتهما أي سيرة ذاتية حافلة. كما حذرا من أن الاحتفاظ بموظف ضعيف الأداء هو أسرع وسيلة لتقويض ثقافة التميز داخل الفريق [citation:1].
رؤية هدير شلبي: الشغف فوق الشهادة
من جانبها، ترى هدير شلبي أن معايير اختيار الكفاءات يجب أن تنفصل تمامًا عن العمر أو الشهادات الجامعية، قائلة: “ما أبحث عنه هو الشغف بالعمل، والروح الريادية، والقدرة على ابتكار الحلول…”. كما حذرت من أن التسامح مع الأداء المتوسط يبعث برسالة سلبية تدمر ثقافة المؤسسة من الداخل.
كما أوضحت أن القيم المؤسسية ليست أمرًا شكليًا أو تفصيلًا ثانويًا كما يظن بعض المؤسسين، بل تمثل الركيزة الأساسية لنجاح أي شركة. وأضافت: “يمكنك الحصول على التمويل وإقناع المستثمرين بعروض مبهرة، لكن إذا لم تستطع بناء مؤسسة قائمة على قيم مشتركة، ستنهار سريعًا أمام الخلافات والصراعات الداخلية.”
تأكيدات مدحت ياسين: الوضوح يمنع الفوضى
بينما يشدد مدحت ياسين على أن التحدي الحقيقي للقيادة يكمن في وضوح الرؤية الثقافية، مشيرًا إلى أن “غياب هذا الوضوح يدفع كل مدير لصياغة نسخته الخاصة من الثقافة، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى الفوضى”. ووصف بناء الثقافة المؤسسية بأنه يشبه “تغيير عادات مجتمع كامل”، وهي عملية مؤلمة لكنها ضرورية لتحديد مصير المؤسسة بين النجاح أو الانهيار.
وأضاف أن الهدف لا يقتصر على توظيف أفراد يؤدون مهامهم الوظيفية فحسب، بل يتمثل في استقطاب أشخاص بعقلية تحويلية، قادرين على رؤية الأهداف بوضوح، وسد الفجوات، وتحدي الأنظمة القائمة لدفعها نحو التطوير والتقدم.
خلفية الحدث: منصة لتشخيص القطاع
جاءت هذه الرؤى الاستراتيجية خلال الجلسة الحوارية البارزة في قمة “ريادة الأعمال المصري 2025” بمدينة الجونة، والتي يستند تقريرها إلى منهج قائم على الأدلة لتقديم عرض شامل لواقع الاقتصاد الريادي في مصر. وقد أكد التقرير ذاته أن ريادة الأعمال لم تعد مجرد مساهمة في الناتج المحلي، بل هي “محرك رئيسي لتعزيز المرونة الاقتصادية”، مما يضع بناء ثقافة مؤسسية قوية في صلب أولويات بقاء وتوسع هذه الشركات [citation:1].
توصيات تحليلية: من الرؤى إلى خطة عمل
وفي ضوء ذلك، تبرز توصيات مهمة يمكن صياغتها على النحو التالي:
1. توثيق وقياس الثقافة: لا ينبغي أن تبقى الثقافة المؤسسية كشعارات عامة. على الشركات تطوير مؤشرات أداء (KPIs) لقياسها، مثل معدلات استبقاء الموظفين الراضين ثقافيًا، ومستوى مشاركتهم في الابتكار. ويدعم هذا البيانات الرسمية للتقرير التي تشير إلى تحليل متعدد الأبعاد للشركات الناشئة، مما يسمح بإنشاء معايير قياس للثقافة السليمة.
2. إدماج الثقافة في استراتيجية التوظيف والتدريب: يجب أن تكون المقابلات الشخصية مصممة لاكتشاف “القيم” وليس المهارات فحسب. كما أن الاستثمار في برامج تدريبية تعزز القيم المشتركة هو استثمار في رأس المال البشري، الذي يُعد العمود الفقري لأي شركة ناشئة وفقًا لتحليلات التقرير السنوي.
3. مساءلة القيادة: على القادة، كما أوضح المتحدثان، أن يكونوا قدوة عملية للقيم التي يتحدثون عنها. فالفجوة بين القول والفعل هي السبب الرئيسي في فقدان المصداقية الثقافية. يشير التركيز الواسع في القمة على “القيادات الحكومية وصناع القرار” إلى أن بناء هذه الثقافة يحتاج إلى التزام من أعلى الهرم.
4. الاستفادة من الأطر المؤسسية والدعم: يؤكد التقرير على ربط “المؤشرات الاقتصادية بالأطر القانونية والمؤسسية”. لذا، يمكن للشركات الناشئة أن تبحث عن الدعم من المسرعات وحاضنات الأعمال التي تقدم برامج استشارية متخصصة في بناء الهوية والثقافة المؤسسية، مما يعزز فرص نجاحها واستدامتها في السوق المصري الواعد.













