كتب: هناء حمزة وزياد محمد
في أقل من جيل واحد، تحوّلت دولة الإمارات العربية المتحدة من اقتصاد مُعتمِد تاريخيًا على الطاقة إلى منظومة ريادية متكاملة تستقطب الأفكار والمواهب ورؤوس الأموال.
يجمع هذا التقرير بين السرد التاريخي والتحليل الاقتصادي لرصد مراحل تطور منظومة ريادة الأعمال في الإمارات، مع إبراز السياسات، المبادرات، والتحديات، وخاتمة توصيات عملية لرواد الأعمال.
وضع البنية التحتية (قبل 2000 — أوائل 2000)
شهدت هذه الفترة تأسيس المناطق الحرة ومرافق لوجستية واتصالاتية؛ وهي مرحلة تجهيز البنية التحتية القانونية والتشغيلية.
كانت المناطق الحرة نقطة انطلاق مهمة لشركات دولية ومؤسسات تجارية سمحت بملكية أجنبية وإعفاءات ضريبية تجريبية، ما مهّد لاحقاً لنشوء منظومة أكثر تخصصًا للشركات التقنية والابتكارات.
تأسيس منظومات ريادية (2010 — 2015)
انطلقت مبادرات الحاضنات والمسرعات، وبدأت بوادر التشريعات المرنة، وظهرت أول دفعات الشركات التقنية المحلية. وُضِعَت اللبنات الأولى لسياسات دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وازداد تواجد الفعاليات والمؤتمرات التي ربطت السوق المحلية بالمجتمع الدولي للابتكار.
محاور التغيير
- إطلاق حاضنات ومسرعات تابعة للقطاعين الحكومي والخاص.
- تبسيط إجراءات التأسيس داخل المناطق الحرة.
- ظهور صناديق تمويل مبكرة ورعاية فعاليات تقنية.
الحقبة الحديثة
في هذه الحقبة شهدت الإمارات تسارعاً في نمو منظومة ريادة الأعمال مدفوعاً بتكامل السياسات، توفر التمويل، وتبنّي التقنيات الرقمية.
أدّت المبادرات الحكومية والتشريعات الجديدة إلى بناء بيئة أكثر جاذبية لرواد الأعمال والمستثمرين على حدّ سواء.
أهم المحطات التشريعية والضريبية
- فرض ضريبة القيمة المضافة (VAT) بنسبة 5% عام 2018، كخطوة لتوسيع القاعدة الضريبية.
- إقرار قانون ضريبة الشركات (الاتحادي) وتطبيقه اعتبارًا من 1 يونيو 2023 مع إعفاءات للشركات الصغيرة (SBR).
- إعلان آليات ضريبة دنيا تكميلية بنسبة 15% على الشركات متعددة الجنسيات (مطابقة لمعايير OECD).
نمو عددي ونوعي
تعكس المؤشرات ارتفاعًا ملموسًا في عدد الشركات التقنية ومراكز الابتكار، وظهور عدد من الشركات ذات تقييم ملياري أو أكبر (يونِكورن). أدناه جدول يجمع بعض مؤشرات النمو المختارة:
| المؤشر / الفئة | القيمة التقريبية | السنة / الفترة |
|---|---|---|
| عدد الشركات التقنية الناشئة | ~ 5,600 | 2025 |
| ترتيب النظام الريادي العالمي | المرتبة 21 | 2025 (تحسّن من 43 عام 2020) |
| عدد شركات اليونيكورن | أكثر من 10 | 2025 |
| قيمة منظومة الشركات الناشئة في دبي (تقديري) | > 23 مليار دولار | نهاية 2023 |
مبادرات استراتيجية ومحركات الدعم
أدّت سياسات موجهة ومبادرات وطنية إلى تعزيز المواءمة بين العرض والطلب على خدمات الابتكار، ومن أبرزها:
- الحملة الوطنية “الإمارات عاصمة رواد الأعمال في العالم” — مبادرة وطنية تهدف لترسيخ مكانة الإمارات كوجهة عالمية للشركات الناشئة.
- الأجندة الوطنية للمشاريع الصغيرة والمتوسطة — حزمة مبادرات لدعم التأسيس، التمويل، والتصدّر العالمي بحلول 2031.
- مناطق الابتكار والحاضنات — مثل Hub71، مدينة دبي للإنترنت، ومراكز حكومية لتسهيل الإجراءات الرقمية.
- تأشيرات المواهب والـ Golden Visa — لجذب رواد الأعمال والمواهب العالمية.
قصص نجاح اختزالية
ظهرت مجموعة من الأمثلة التي تحوّلت فيها أفكار محلية إلى منصات إقليمية وعالمية: كريم (Careem)، دوبيزل (Dubizzle)، تابي (Tabby) وغيرها، والتي أثبتت قدرة النظام البيئي على الانتقال بالكيانات من النشوء إلى التوسع الدولي.
التحديات الراهنة
رغم الزخم، توجد تحديات يجب إدارتها للحفاظ على جاذبية الإمارات:
- تكاليف التشغيل والموارد البشرية المرتفعة نسبيًا.
- ضرورة التوافق مع متطلبات الامتثال الضريبي والتقارير المالية الحديثة.
- فجوات تمويلية في مراحل النمو المتوسطة والمتأخرة لبعض الشركات.
- تنافس إقليمي متصاعد من دول تسعى إلى بناء منظومات مشابهة.
لماذا نجحت الإمارات؟
يمكن اختزال عوامل النجاح في خمسة عناصر مترابطة: القيادة والرؤية الاستراتيجية، إطار تنظيمي مرن، دعم مالي متزايد، بنية تحتية تقنية متقدمة، ونظام بيئي متكامل يضم جامعات وحاضنات ومستثمرين محليين ودوليين.
جميع هذه العناصر مدعومة بموقع جغرافي يربط ثلاث قارات، وهو ما يمنح الشركات ناشئة مزايا تنافسية في الوصول للأسواق.
توصيات عملية لرواد الأعمال
- ابدأ نموذج عمل مرن ومستدام واستفد من إعفاءات الشركات الصغيرة قبل الانتقال إلى مراحلة النمو.
- بنِّ نظمًا محاسبية قوية منذ البداية لتسهيل الامتثال والتمويل المستقبلي.
- اختَر الحاضنة أو المسرّع المناسب الذي يوفّر شبكة مستثمرين فعلية لا مجرد شعارٍ تسويقي.
- ركِّز على الحلول التقنية والبيانات والذكاء الاصطناعي لزيادة قابلية التوسع.
- سجّل الملكية الفكرية مبكرًا ولا تؤجل حماية الأفكار الأساسية.
- راقب التغييرات الضريبية والمُعاهدات الدولية وتأهب لمتطلبات الإفصاح المالية.
المصادر والمراجع: تقارير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD)، تقارير Wamda، StartupBlink، مؤسسات حكومية إماراتية ومواقع اقتصادية متخصصة (Reuters، Mondaq، StartupGenome).












