يرصد موقع ريادي تحولات المشهد الاقتصادي في مصر، حيث يقف البنك المركزي أمام معادلة دقيقة بين تحفيز الاستثمار عبر خفض أسعار الفائدة، وحماية المدخرين من تراجع العوائد على ودائعهم. وبينما تظهر المؤشرات تحسنًا في تدفقات العملة الأجنبية وتراجعًا نسبيًا في معدلات التضخم، يطرح الخبراء تساؤلات حول ما إذا كانت السياسة النقدية كافية وحدها لضمان الاستقرار والنمو، أم أن تعزيز الإنتاج المحلي يظل الخيار الأكثر استدامة لمواجهة التحديات.
خفض الفائدة وتراجع تكلفة التمويل
أكد الخبير المصرفي طارق حلمي أن خفض الفائدة ينعكس مباشرة على تخفيف أعباء التمويل عن الشركات والمصانع، ما يمنحها فرصة للتوسع والإنتاج. كما يقلل من أعباء خدمة الدين العام عبر خفض تكلفة الفوائد على أدوات الدين المحلية، وهو ما يسهم في دعم خطة الحكومة لخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي.
تحسن مصادر العملة الأجنبية
أوضح الخبير المصرفي محمد البيه أن البيئة الاقتصادية أصبحت مواتية للتيسير النقدي بفضل ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج إلى نحو 36 مليار دولار، وزيادة إيرادات السياحة إلى نحو 13–13.5 مليار دولار، إضافة إلى استثمارات أجنبية غير مباشرة في أدوات الدين تقارب 40 مليار دولار. ولفت البيه إلى أن هذه التدفقات ساعدت في استقرار سعر الصرف واحتواء التضخم، ما منح البنك المركزي هامشًا أكبر لمواصلة خفض الفائدة.
المدخرون.. الحلقة الأضعف
حذر طارق حلمي من الأثر الاجتماعي لخفض الفائدة، مشيرًا إلى أن الأسر التي تعتمد على عوائد ودائعها ستواجه تراجعًا في دخلها الشهري. ففي حين كانت الفائدة عند مستويات 22–23% توفر حماية نسبية للأسر، فإن تراجعها إلى نحو 14–15% سيقلص العوائد ويجعل الاحتياطي الأسري أقل قدرة على مواجهة ضغوط الأسعار.
الإنتاج المحلي.. الركيزة الأساسية
يرى الخبير د. أحمد شوقي أن السياسات النقدية وحدها لا تكفي. فزيادة الإنتاج المحلي هي الطريق الأضمن لتقليل فجوة الميزان التجاري، التي لا تزال تتجاوز عشرات المليارات من الدولارات. وأشار شوقي إلى مؤشرات إيجابية مثل نمو قطاع المنسوجات بنسبة 25%، ودخول مصانع تجميع سيارات، بالإضافة إلى استثمارات مباشرة في مناطق صناعية كالعين السخنة.
توقعات سعر الصرف
في ما يتعلق بمستقبل سعر الدولار، يرى طارق حلمي أن احتمالات هبوطه إلى مستويات 35–40 جنيهًا غير واقعية في ظل استمرار العجز التجاري، متوقعًا تحركه ضمن نطاق 46–50 جنيهًا في المدى المنظور. بينما يشدد محمد البيه على أن استمرار استقرار سعر الصرف وانخفاض التضخم يمنحان البنك المركزي هامشًا أكبر لمواصلة سياسات التيسير.
يتفق الخبراء على أن خفض الفائدة يشكل عاملًا محفزًا للاستثمار ويخفف أعباء خدمة الدين، لكنه ليس بديلاً عن سياسات إنتاجية تهدف إلى تعزيز الصادرات وتقليل الاعتماد على الواردات. وتظل المعادلة التحليلية واضحة: التيسير النقدي مفيد لكنه أكثر فعالية عندما يرافقه دعم صناعي واقتصادي يعزز من قدرة الاقتصاد على الصمود أمام الصدمات الخارجية.













