تشهد شركات الدفاع الناشئة في أوروبا موجة غير مسبوقة من تدفقات رؤوس الأموال الخاصة، في وقت تتسابق فيه صناديق الاستثمار لدخول قطاع يستعد لدفعة قوية، مدعومًا بخطط إعادة التسلح الضخمة التي أعلنتها كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة هذا العام، تحت ضغط من الإدارة الأمريكية الحالية واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية، إضافة إلى تعهد حلف الناتو برفع الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي.
أرقام قياسية رغم الانكماش العام
منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، تسارعت الاستثمارات بشكل لافت. ووفق تقرير صادر عن صندوق الابتكار التابع للناتو في فبراير الماضي، ارتفعت استثمارات رأس المال المغامر في شركات الدفاع والأمن الأوروبية إلى 5.2 مليار دولار في 2024، وهو مستوى قياسي تحقق في وقت كان فيه سوق رأس المال المغامر بالمنطقة يعاني انكماشًا عامًا، بحسب ما نقلته شبكة (سي إن بي سي) الاقتصادية.
الابتكار الدفاعي
توضح المحللة لوريدانا موهاريمي أن الزخم تضاعف في 2025 مع إعلان الناتو هدفه الجديد للإنفاق الدفاعي، مشيرةً إلى أن ارتفاع حجم وقيمة الصفقات يعكس تقييمات أعلى.
وأكدت أن غالبية الشركات الناشئة الدفاعية الأوروبية تركز على البرمجيات والتقنيات المعززة بالذكاء الاصطناعي، مع اهتمام خاص بالطائرات المسيرة، الأمن السيبراني، والتطبيقات الفضائية، وهي مجالات تقع خارج نطاق شركات الدفاع التقليدية.
كما لفتت إلى الدور المتنامي للمستثمرين الأمريكيين في المراحل المتقدمة من جولات التمويل، ما يوفر السيولة اللازمة للتوسع.
تحولات في السوق البريطانية
في بريطانيا، أشار خبير رأس المال آرتشي مويرهيد إلى أن ما يصل إلى ثلث الشركات الاستثمارية منذ 2005 خصصت جزءًا من محافظها للاستثمارات الدفاعية أو ثنائية الاستخدام، لكن خلال العامين الأخيرين تحوّل أغلبها للاستثمار المباشر في شركات دفاعية خالصة.
وأرجع ذلك إلى “الدافع العاطفي” لدى مؤسسي الشركات من جهة، وإلى اتساع حجم الفرص التمويلية في أوروبا من جهة أخرى.
كما شهدت السوق البريطانية ظهور كيانات جديدة مثل شركة “ديفينس إنفيست”التي تأسست عام 2024 بقيادة ضباط سابقين في الجيشين البريطاني والألماني، مستهدفة الاستثمار في “النقاط الساخنة” مثل ميونيخ وأوكرانيا وأوروبا الشرقية.
رهان على المرونة والابتكار
تراهن الشركات الناشئة الأوروبية على مرونتها وقدرتها على الابتكار مقارنة بعمالقة الصناعة الدفاعية، في محاولة لسد فجوات القدرات الدفاعية وتقديم حلول سريعة في مجالات مثل الاتصالات الآمنة، تعطيل إشارات الطائرات المسيرة، وتكنولوجيا البطاريات.
مخاوف المنافسة مع الشركات الأمريكية
رغم الزخم الحالي، يؤكد مويرهيد أن الشركات الأوروبية ستظل في منافسة شرسة مع نظيراتها الأمريكية الأكبر حجمًا للفوز بالعقود الحكومية. وقد دفعت هذه المخاوف بعض الأصوات للمطالبة بتخصيص ميزانيات التسلح الأوروبية للشركات المحلية بالأساس، خاصة في القطاعات الحساسة مثل الفضاء والاتصالات.
أوروبا بين الاستقلالية والتكامل
يرى محللون أن استبعاد التكنولوجيا الأمريكية من أوروبا يبدو طرحًا مبالغًا فيه، إلا أن العلاقة عبر الأطلسي ستظل مرتبطة بالاعتبارات السياسية والاستراتيجية.
وبينما تدخل أوروبا مرحلة جديدة من استقلالية القرار الدفاعي، تعتمد في ذلك على طفرة الاستثمارات الخاصة وروح الابتكار لدى شركاتها الناشئة، في وقت تعيد فيه صياغة معادلات الأمن والاقتصاد وسط بيئة جيوسياسية متوترة.













