في قلب التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، تشق السيارات الكهربائية طريقها في السوق المصري، حاملةً معها وعوداً بمستقبل أقل تلوثاً وأكثر اقتصاداً.
إلا أن هذا الطريق، رغم ومضات النجاح الواعدة، ما يزال محفوفاً بالتحديات التي تضع حلم الانتشار الواسع على محك الاختبار، بين أرقام مبيعات قياسية وبنية تحتية تتطلع بلهفة إلى اللحاق بالركب.
وموقع ريادي يرصد في هذا التقرير الخاص تطورات مشهد السيارات الكهربائية في مصر بين الطفرة في المبيعات وتحديات البنية التحتية
طفرة في الأرقام: إحصاءات تُشير إلى تحول كبير
كشفت أحدث البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن قفزة هائلة في تراخيص السيارات الكهربائية، لتسجل نحو 8,560 مركبة بنهاية عام 2024، مقارنة بـ 3,244 مركبة فقط في نهاية 2023، بما يعكس نمواً صاعقاً بنسبة 164% في عام واحد.
أبرز الأرقام:
التراخيص حتى نهاية 2024: 8,560 مركبة
التراخيص حتى نهاية 2023: 3,244 مركبة
نسبة النمو: 164%
التوقعات لعام 2025: 10,000+ مركبة جديدة
زلزال أسعار الشحن: قرار حكومي يهز أركان القطاع
في منعطف مفاجئ، أعلنت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة في سبتمبر 2025 عن رفع تعريفة شحن المركبات الكهربائية بنسب وصلت إلى 180%، مُلغيةً نظام السعر الثابت وربط التكلفة مباشرةً بتكلفة التوريد.
| نوع الشحن | السعر القديم (جنية/ك.و.س) | السعر الجديد (جنية/ك.و.س) | نسبة الزيادة |
|---|---|---|---|
| الشحن البطيء (AC) | 1.89 | 3.40 | 79% |
| الشحن السريع (DC) | 3.75 | 6.55 | 75% |
صراع الأهداف: بين دعم المستثمرين وترهق كاهل المستهلك
تعللت الحكومة المصرية بقرارها الرامي إلى “ضمان استدامة المستثمرين” في بنية محطات الشحن، الذين ضخوا استثمارات ضخمة – كشركات “طاقة فولت” و”السويدي بلج” و”إيكاروس إليكتريك” – دون أن يحققوا عائداً مجزياً تحت نظام التعريفة القديم.
محطات الشحن: الحلقة المفقودة في معادلة الانتشار
يظل التحدي الأكبر الذي يواجه مستقبل السيارات الكهربائية في مصر هو نقص البنية التحتية لشبكات الشحن. فبعد أكثر من ثلاث سنوات على إعلان خطة طموحة لإنشاء 3,000 محطة شحن مزدوجة (بما يعادل 6,000 نقطة شحن)، لم يتجاوز العدد الفعلي المنفذ ألف محطة فقط، تتركز غالبيتها الساحقة في القاهرة الكبرى ومدن محدودة مثل الإسكندرية والغردقة.
أحمد زين، رئيس لجنة سيارات الطاقة النظيفة: “انتشار المركبات الكهربائية يرتبط بشكل وثيق بتوسيع شبكة محطات الشحن وتعدد الخيارات المطروحة في السوق. عدد المحطات حالياً يبلغ نحو 1000 محطة، مع خطط لإضافة 300-500 محطة جديدة قبل نهاية العام.”
التكلفة العالية وتقلبات السوق: عوائق أمام الجمهورية
إلى جانب أزمة الشحن، تبقى التكلفة الأولية المرتفعة حاجزاً أمام التحول الجماهيري. حيث يبدأ سعر السيارة الكهربائية في مصر من نحو 1.5 مليون جنيه، مما يضعها في نطاق الرفاهية بالنسبة لشريحة كبيرة من المصريين. وتزيد تقلبات سعر الصرف من حدة المشكلة، رافعةً من تكاليف الاستيراد وقطع الغيار.
الميزة الاقتصادية: هل لا تزال قائمة؟
رغم كل التحديات، تظل المعادلة الاقتصادية لصالح السيارة الكهربائية على المدى الطويل. فالتوفير في تكلفة التشغيل مقارنة بالوقود التقليدي لا يزال كبيراً. ويؤكد الخبراء أن مفتاح الاستفادة القصوى يكمن في الاعتماد على الشحن المنزلي، الذي يحافظ على هوامش توفير عالية ويقلل من الاعتماد على محطات الشحن العامة مرتفعة السعر.
“تكلفة تشغيل السيارات الكهربائية تظل أقل بأكثر من 50% مقارنة بالسيارات التقليدية. أي زيادة مرتقبة في أسعار البنزين خلال الشهر المقبل قد تدعم مزيداً من الإقبال على المركبات الكهربائية والهجينة.”
الطريق إلى المستقبل الأخضر
تقف مصر على أعتاب مرحلة تحولية، حيث يتقاطع الطموح البيئي مع الاقتصادي. نجاح هذا التحول مرهون بمعادلة متوازنة: دعم حكومي حقيقي عبر تشريعات محفزة وإعفاءات جمركية، واستراتيجية طموحة للتجميع والتصنيع المحلي لخفض الأسعار، وتسريع وتيرة بناء شبكة شحن وطنية متكاملة. فقط عندها يمكن لمصر أن لا تكون راكبة في موكب النقل الأخضر العالمي، بل قائدةً له في المنطقة.













